×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

فإذا كانت المصلحةُ راجحةً في كتمان بعض العلم؛ فإنه يكتم ولا ينشر إلا على أهله العارفين، ولا ينشر على العوام.

وكذلك لا تُحَدّث الناس بأشياءَ لا تتحملها عقولُهم، ما يفهمونها، وهم ليسوا في حاجةٍ إليها، لو لم يعلموا بها ما ضرَّت، ولهذا جاء في الأثر: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؟!»([1])، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً» ([2]).

فإذا كان هذا الشيءُ لا يتسع له عقول الناس، وهم ليسوا بحاجةٍ إليه، لو جهلوه لا يضرهم، فلا تبينه للناس، هذا يكون عند الخواص مِنْ أهل العلم الذين يفهمون هذه الأمور، العوام علِّمْهُم ما يحتاجون إليه مِنْ أمور دينهم، صلاتهم صومهم زكاتهم حجهم؛ أمور عباداتهم، معاملاتهم، علِّمْهُم هذه الأمور. أما الأمور الغيبية التي تفاصيلها تشكل عليهم فهذه ليسوا بحاجةٍ إليها، إذا تعلموا وفهموا فلا بأس، أما ما داموا عوامَّ ولم يصلوا إلى هذا الحد فلا.

كذلك طلبة العلم المبتدئون لا تأتِ لهم بجميع العلم، بل تعلِّمهم العلم شيئًا فشيئًا، تتدرج بهم شيئًا فشيئًا، ولا تأتِ لهم بمسائلَ لم يصلوا إليها؛ فيحصل لهم ارتباكٌ، ويحصل عليهم ضررٌ؛ لأن عقولَهم لا تستوعب هذه المعلوماتِ؛ لأنهم ما زالوا مبتدئين، فأنت رَبِّهم شيئًا فشيئًا، درِّجْهم في مسائلِ العلم شيئًا فشيئًا، مِنَ الصغار إلى الكبار.


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (127).

([2]) أخرجه: مسلم في مقدمة صحيحه (1/11).