×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

أما أنك تأتي بكبار مسائل العلم لأناسٍ مبتدئين، فهذا فتنةٌ وهذا ضرر عليهم، فيجوز كتمانُ العلم للمصلحة الراجحة، إذا كان في إظهاره ضررٌ على الناس؛ ولهذا يقول أبو هريرة رضي الله عنه: «حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ مِنَ العِلْمِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ فِي النَّاسِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ لَقُطِعَ هَذَا» ([1]). وأشار إلى حلقه.

ما هو الذي لم يبلِّغْه للناس؟ قالوا: أحاديث الفتن وما يحصل في آخر الزمان، هذا لم يبينه للناس؛ لأن عليهم ضررًا في ذلك، يفهمونه على غير المقصود، وربما يتقاتلون ويتناحرون، فكتمانُ هذا على الناس حماية لهم مِنَ الوقوع في المحذور. هذا هو عين الحكمة، إذن يجوز كتمان بعض العلم للمصلحة الراجحة.

وأما إذا لم يكن هناك مصلحةٌ راجحة فلا يجوز كتمان العلم، بل يجب نشرُهُ للناس وتعليم الناس ما يحتاجون إليه.

﴿أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ [البقرة: 159] اللعن ما هو؟ اللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ﴿يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ، أي: يطردهم ويبعدهم مِنْ رحمته، كما أنهم حرموا الناس مِنَ الهدى، مِنَ البينات والهدى، وأبعدوا الناس عن الحق؛ فالله يبعدهم مِنْ رحمته، فهذا هو اللعن، وفي المقابل الذي يُعَلِّم الناس الخير يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر تستغفر لمعلم الناس الخير([2]).

فالذي ينشر العلم يستغفر له كل شيء، والذي يكتم العلم يلعنه الله ويلعنه اللاعنون، ﴿أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ [البقرة: 159]،


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (120).

([2]) أخرجه: الترمذي رقم (2685)، والطبراني في الكبير رقم (7912).