×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

فلا بد مِنْ هذا، فلما أزال النبي صلى الله عليه وسلم الصَّنَمين اللذين على الصفا والمروة تحرَّج المسلمون مِنَ السعي بين الصفا والمروة؛ لأنه كان عليهما صنمان يُعْبَدان مِنْ دون الله، قالوا: كيف نسعى بين الصفا والمروة وكان فيهما هذان الصنمان؟ فأزال الله جل وعلا هذا التردد، أزاله عن المسلمين؛ لأنه لا حرج في السعي بين الصفا والمروة، ولا ينظر إلى ما كان عليهما مِنَ الأصنام في الجاهلية؛ لأن هذا شيءٌ أزاله الله سبحانه وتعالى. هذا معنى قوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ [البقرة: 158]، هذا إزالة لتوهُّم مَنْ توهّم مِنَ المسلمين، أو وقع في نفسه شيءٌ مِنَ التحرُّج مِنَ السعي بين الصفا والمروة؛ نظرًا لما كان عليهما مِنَ الأصنام.

الله أزال هذا وأخبر أن الصفا والمروة مِنْ شعائر الله، ولا يضرهما إذا كان عليهما أصنامٌ في الجاهلية وأزيلت؛ لا يضرهما لأنهما من شعائر الله، هذا هو المقصود من قوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ [البقرة: 158].

وأما السعيُ فهو عبادة لله، وركنٌ مِنْ أركان النسك. وقد سعى النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة، وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»([1])، وقال: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْي فَاسْعَوْا»([2])، فالسعيُ بين الصفا والمروة عبادةٌ لله، وشعيرةٌ مِنْ شعائر الحج والعمرة، ولا يقع في نفس أحد حرجٌ من ذلك بسبب ما كانا عليهما في الجاهلية؛ لأن هذا لا يغيِّر كونهما مِنْ شعائر الله، ولا يغيِّر وجوب السعي بين الصفا والمروة.


الشرح

([1]) أخرجه: مسلم رقم (1297).

([2]) أخرجه: أحمد رقم (27367)، وابن خزيمة رقم (2764)، والدارقطني رقم (2584).