×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

وأصلُ السعي بين الصفا والمروة قصةُ هاجر أمِّ إسماعيل عليهما السلام؛ فإن الله سبحانه وتعالى أمر إبراهيمَ أن يأتي بهاجر وابنِها إسماعيلَ، وكان طفلاً رضيعًا، وكانت مكةُ خاليةً من الماء، وليس فيها أنيسٌ ولا أحد.

فاستجاب إبراهيم عليه السلام لأمر الله، وجاء بهذه المرأةِ وابنِهَا إسماعيل الرضيعِ فوضعهما عند مكان البيت حيث أمره الله سبحانه وتعالى، ومعها جرابٌ مِنَ التمر وسِقاء فيه ماء فوضعهما في هذا المكان، ثم إنه رجع إلى الشام، فلما أدبر وولَّى متوجّهًا إلى الشام تعلقت به هاجر؛ قالت: «إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا فِي هَذَا المَكَانِ؟ فَلَمْ يَتَلَفَّتْ إِلَيْهَا وَاسْتَمَرَّ مَاشِيًا، ثُمَّ قَالَتْ: إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا ؟ فَلَمْ يُجِبْهَا وَلَمْ يَتَلَفَّتْ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا» ([1]).

لما عرَفتْ أن هذا بأمر الله سبحانه وتعالى، وأن إبراهيم مأمور مِنَ الله؛ آمنت بالله عز وجل واطمأنت، وقالت: إذًا لا يضيعُنَا. هذه قوة الإيمان، فكانت تأكل مِنَ التمر وتشرب من الماء وترضع طفلها، فلما نفد ما معها مِنَ التمرِ والماء وعطش الغلام عطشًا شديدًا؛ ذهبت إلى أقرب جبلٍ إليها وهو الصفا، فصعدت عليه تلتفت يمينًا وشمالاً هل ترى مِنْ أحد؟ فلم ترَ أحدًا.

فنزلت، ولما هبطت الوادي أسرعت متوجهة إلى المروة إلى الجبل الثاني، أقرب جبلٍ إليها، فصعدت على المروة وتلفتت يمينًا وشمالاً فلم ترَ أحدًا، والغلام يتلوى مِنَ العطش، فلما أكملت سبع مراتٍ بين الصفا والمروة تنظر لعل حولها أحدًا، في السابعة لما أشرفت على المروة نظرت إلى الطفل وإذا عنده جبريلُ عليه السلام يخطُّ بقدمه الأرض فنبع الماء، نبعت زمزم من خطة جبريل عليه السلام.


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (3364).