وسائر
الرسل - عليهم الصلاة والسلام - كلهم قالوا لأممهم: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗاۖ﴾
[النساء: 36]، فأبى أكثرُ الأمم إلا أن يبقَوْا على الشرك وأبَوْا أن يفردوا
العبادة لله عز وجل.
ولهذا
لما قال رسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم لمشركي العرب: قولوا: لا إله إلا
الله؛ تفلحوا. قالوا: ﴿أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ
إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ﴾
[ص: 5]، استنكروا عليه أنه يطلب منهم أن يُفْرِدوا الله بالعبادة، وألا يعبدوا إلا
الله؛ لأنهم يريدون أن يعبدوا الأصنامَ والأشجار والأحجار مع الله سبحانه وتعالى.
فالخصومة إنما وقعت في توحيد الألوهية، وهو التوحيد المطلوب مِنَ الخلق. أما
توحيدُ الربوبية فهو مركوز في الفطر قلَّ مَنْ يُنْكره مِنَ الخلق. أما توحيد
الألوهية فهذا أنكره أكثرُ الخلق ولم يكن عليه إلا الرسلُ - عليهم الصلاة والسلام
- وأتباعهم مِنَ المؤمنين. وأما الأكثر فإنهم على الشرك وأبَوْا أن يتحولوا مِنَ
الشرك إلى التوحيد، أَبَوْا أن يفردوا الله بالعبادة.
وأما
النوع الثالث: فهو توحيد الأسماء والصفات، وهو
إثبات ما أثبته الله لنفسه مِنَ الأسماء والصفات، وإثبات ما أثبته الرسول صلى الله
عليه وسلم لربه مِنَ الأسماء والصفات. وهذا أنكره المبتدعةُ مِنَ الجهمية
والمعتزلة والأشاعرة، وكلُّ مَن نحا نحوهم ممن نَفَوُا الأسماء والصفات أو نَفَوا
بعضها ونزَّهوا الله عنها، بزعمهم.
وهذا شيء معلوم في كتب العقائد مدروس ومذكور، وهاتان الآيتان تضمنتا هذا التوحيد بأنواعه الثلاثة، فقوله تعالى: ﴿وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: 163]. هذا فيه توحيد الألوهية «توحيد العبادة»؛ لأن الإله معناه: المعبود، والألوهية هي العبادة.