×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

فبينما هو كذلك إذ بالمَلَك جبريل ينزل عليه وهو في هذا الغار فيضمه ضمة شديدة، ثم يطلقه ويقول له: اقرأ. فيقول: لست بقارئ؛ لأنه ما كان يقرأ، ثم يضمه ثانية ضمةً شديدة حتى يخاف على نفسه، ثم يطلقه ويقول له: اقرأ. فيقول: لست بقارئ ثم يضمه، ثم يطلقه ويقول له: ﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ ٥ [العلق: 1- 5].

فيحفظ هذه الآياتِ وهو يرتجف مِنَ الرعب والخوف مِنْ رؤية المَلَك ومِنْغطه إياه ومفاجأته بشيءٍ لم يكن يتوقعه، ثم ذهب إلى خديجة في بيتها رضي الله عنها وذكر لها ما حصل له، ويقول: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» قَالَتْ: كَلاَّ وَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ([1]). فاستدلت بصفاته صلى الله عليه وسلم الكريمة؛ بأنه لا يأتيه مِنَ الله إلا ما هو خير، وأن هذا الذي آتاه ليس إلا خيرًا، فطمأنته صلى الله عليه وسلم، ثم طلب أن تغطيه بدثار لأنه متأثرٌ، فجاءه الملك مرة ثانية بأمر الله فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ ١ قُمۡ فَأَنذِرۡ ٢ وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ ٣ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤ وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ ٥ وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ ٦ وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ ٧ [المدثر: 1- 7].

ففي الآيات الأولى: ﴿ٱقۡرَأۡ [العلق: 1] حصلت له النبوة، وفي الآيات الثانية حصلت له الرسالة، ولهذا يقول العلماء: نُبِّيَ بـ ﴿ٱقۡرَأۡ [العلق: 1] وأرسل بـ ﴿ٱلۡمُدَّثِّرُ [المدثر: 1]، فقام صلى الله عليه وسلم يدعو الناس مختفيًا؛ لأنه شخص واحد وسط عالمٍ مشترك، كان يدعو مختفيًا فآمنت به خديجة وأبو بكر الصديق ونفرٌ قليلٌ آمنوا به، وكانوا مختفين أيضًا، وكان يدعو الناس دعوة سرية، والذين أسلموا على يده وهم نفر قليل،


الشرح

([1]) أخرجه: البخاري رقم (3)، ومسلم رقم (160).