×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

فلما توجَّه إلى مكة قال له مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه: أَيْنَ تَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ أَخْرَجُوكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا زَيْدُ، إِنَّ اللهَ سَيَجْعَلُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا تَرَى»([1]). ثم إنه طلب مِنْ أحد المشركين وهو المطعم بن عدي أن يجيره حتى يدخل إلى مكة، فأجاره المطعم بن عدي، وجمع أولاده وحمَّلهم السلاح فصاروا يمشون مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دخل إلى الكعبة وطاف بها وهم يحمونه بأسلحتهم.

ثم اشتد أذاهم وحاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه في الشِّعْب، وكتبوا صحيفةً يقاطعون فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه، ويسمونها صحيفة القطيعة، وعلَّقوها في الكعبة: ألا يبيعوا لهم وألا يزوِّجوهم وألا يخالطوهم، وحصروهم في شعبٍ حتى يسر الله مِنْ عقلاء قريش مَنْ أشفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قرابتهم؛ فنقضوا هذه الصحيفة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه مِنَ الشعب، ثم أذن الله له بالهجرة إلى المدينة بعدما جاء الأنصار وبايعوه على فترتين، على أن يهاجر إليهم ويناصروه ويدافعوا عنه.

فحصلت الهجرة، ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ إلى المدينة تجمع حوله المسلمون مِنَ المهاجرين والأنصار وصاروا دولة عظيمة، ثم قادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وإلى غيرها، إلى أن انتهى الأمرُ في السنة الثامنة من الهجرة أن غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة الذين أخرجوه منها؛ غزاهم بجيشٍ عظيمٍ جرار، فخرج منها هو وواحد معه مِنْ أصحابه فقط؛ ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ


الشرح

([1]) انظر: مختصر زاد المعاد (1/ 104).