×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

فبعث الله هذا الرسول في هذا العالم الذي يموج بهذه الضلالات والكفريات والشركيات نورًا وهدًى للناس، أرسله وبعثه مِنْ هذا البلد، مِنْ أم القرى مكة المشرفة، ومِنْ جوار بيت الله العتيق، أرسله إلى الناس كافةً بشيرًا ونذيرًا، وأوجب طاعته على الثقلين الجنِّ والإنسِ، ﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ [الأعراف: 158]، ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ [الأنبياء: 107]، ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا [سبأ: 28]، رجل واحد قام في العالم كلِّه وهو يموج بالكفر والشرك والضلال، وعهدُ الأنبياء مِنْ قبله بعيدٌ، يا لها مِنْ مهمةٍ عظيمة!! ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالته.

فاختار هذا النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ صميم العرب، ومِنْ ذرية إسماعيل عليه السلام، ومن حول هذا البيت العتيق الذي جعله الله مثابةً للناس وأمنًا، فتمت ببعثته النعمة على المؤمنين، ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ [آل عمران: 164].

وامتن اللهُ على العرب أكثر مِنْ غيرهم؛ لأن الله جعل هذا النبي صلى الله عليه وسلم منهم، الذي هو خاتم النبيين وأفضلُ المرسلين، جعله مِنَ العرب مِنْ ذرية إسماعيل عليه السلام، وهذا فضلُ الله يؤتيه مَنْ يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

ولهذا ذَكّر العرب بهذه النعمة، فقال: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ [الجمعة: 2] يعني: العرب، سموا بـ ﴿ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ [الجمعة: 2] لأنهم لا يقرءون ولا يكتبون، بعث الله فيهم هذا النور العظيم، وأخرجهم مِنَ الجهالة والضلالة إلى هذا العلم العظيم وهذا الهدى الواضح، هذا فضل الله


الشرح