مِنْ
بين سائر الشهور، ﴿وَرَبُّكَ
يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ﴾
[القصص: 68].
فشهر
رمضان ذكر الله له فضائل عظيمة:
الفضيلة
الأولى: أن الله أنزل فيه القرآن، ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ﴾ [البقرة: 185]، هذه فضيلةٌ عظيمةٌ لهذا الشهر، أنزل فيه
القرآن، وقال في الآية الأخرى: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾
[القدر: 1]، وقال في آية ثالثة: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا
مُنذِرِينَ ٣ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ﴾
[الدخان: 3-4].
فهذا
القرآن أُنزِل في ليلة القدر، وأنزل في رمضان؛ لأن ليلة القدر مِنْ ليالي رمضان،
فلا منافاةَ بين الآيات، الآية التي يقول الله فيها: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ﴾ [البقرة: 185]، والآية التي يقول الله فيها: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي
لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾ [القدر:
1].
فالقرآنُ
أنزل في ليلة القدر، وليلة القدر مِنْ رمضان، وليس معنى ذلك أن القرآن أُنزِل كله
جملة واحدة في رمضان أو في ليلة القدر؛ لأن القرآن - كما هو معلوم - نُزّل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم مُفَرَّقًا ومُنَجَّمًا منذ بعثه الله، إلى أن توفاه
الله في ثلاث وعشرين سنةً مدة الرسالة.
القرآن
نزل في هذه المدة ثلاث وعشرين سنةً مُفَرَّقًا، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا﴾ [الفرقان: 32]، ترتيلاً:
مُرَتّلاً في نزوله؛ لأنه نزل مُفَرّقًا، ولم ينزل جملةً واحدةً، مِنْ أجل أن
يكونَ هذا أسهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسهل على أمته، فكان ينزل
شيئًا فشيئًا.
﴿وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا﴾ [الإسراء: 106] ﴿وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا﴾ [سورة الفرقان: 32]، يعني: نزلناه متتابعًا متفرّقًا. والحكمةُ في ذلك التسهيل على المسلمين؛