×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

لأنه لو نزل جملةً واحدةً لم يستطيعوا العمل به جميعًا، فكان ينزل حسب الوقائع، حسب الحوادث التي يبين الله سبحانه وتعالى حكمها، وحسب الأوامر والشرائع التي يشرعها الله جل وعلا شيئًا فشيئًا، وينسخ منها ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء، ﴿يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ [الرعد: 39].

إذن معنى ﴿أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ[البقرة: 185]، أي: ابتدأ نزولُ القرآن في هذا الشهر، وليس معناه: أنه أنزل كله جميعًا في ليلة واحدة أو في شهر رمضان، ولكن ابتدأ نزولُهُ في هذا الشهرِ، وفي هذه الليلةِ، والقرآن يُطلَق ويُرَاد به جميع القرآن، ويُطلق ويراد به بعض القرآن.

فالآية الواحدة تُسَمَّى قرآنًا، والسورة تُسَمّى قرآنًا، والسور تُسَمّى قرآنًا، فالقرآن يُطلَق على كلِّه ويطلق على بعضِهِ، فالكل يُسَمّى قرآنًا، ﴿هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ[البقرة: 185]، هذا القرآنُ أنزله الله هدًى للناس، أي: ليبين لهم الحق مِنَ الباطل، ويدلهم على طريق الصواب.

*والهدى نوعان:

هدى بيان وإرشاد: وهذا يحصل لكل الخلق المؤمن والكافر، فالله بَيَّنَ وأوضحَ الحق مِنَ الباطل لكل الناس، والقرآن جاء لبيان الحق وبيان الباطل، فهو هدًى لجميع الناس، لكنِ المؤمنون قبلوه وعملوا به، والكفار أعرضوا عنه. فالهدى والهداية على نوعين: النوع الأول: هدى وهداية دَلاَلة وإرشاد، وهذا حاصل لجميع الخلق.

ولهذا قال: ﴿هُدٗى لِّلنَّاسِ [البقرة: 185]، يعني: لجميع الناس. فمَنْ تبعه وعمل به اهتدى، وفي أول السورة يقول سبحانه: ﴿الٓمٓ ١


الشرح