×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

الدرس التاسع والثلاثون

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ [البقرة: 186].

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على عبدِهِ ورسولِهِ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، ومَنِ اهتدى بهداه، وتمسَّك بسنَّته إلى يوم الدين.

*أما بعد:

فقد جاءت هذه الآيةُ في وسط آيات الصيام؛ مما يدل على أن الدعاءَ مِنَ الصائم مَظِنة الإجابة، وأن الصائمَ ينبغي له أن يكثرَ مِنَ الدعاء، فقوله سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي جاء في سبب نزول الآية: أن نفرًا مِنَ الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أقريبٌ رَبُّنا فنناجيه أم بعيدٌ فنناديه؟ فأنزل اللهُ هذه الآيةَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ [البقرة: 186].

الدعاءُ هو أعظم أنواع العبادة، كما في الحديث: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»  ([1])، وقد سماه الله دينًا، وسماه عبادةً، قال تعالى: ﴿فَٱدۡعُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ [غافر: 14]، أي: مخلصين له الدعاء بألا تدعوا غير الله. وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[غافر: 60]، فسمى الدعاءَ عبادة؛ لأنه لما قال: ﴿ٱدۡعُونِيٓ، قال: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي [غافر: 60]،


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (1479)، والترمذي رقم (2969)، وابن ماجه رقم (3828)، وأحمد رقم (18391).