×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

كذلك لا تأكل مال غيرك بالمكر والخديعة والغش في البيع والشراء، والتدليس في السلع، والاحتيال على أكل أموال الناس. فليس أخذُ أموال الناس مقصورًا على السرقة والنهب والغصب، بل أخذها عن طريق العقود المشتملة على الغرر والجهالة والغش والخديعة؛ لأن بعضَ الناس يبيع ويشتري بالمكر والخديعة والغش والتدليس، ويعتبر هذا مِنَ الحذق في التجارة، يخدع الناس ويغشهم في بيعه وشرائه ويعتبر هذا مِنَ المهارة في البيع والشراء. وهو الخيانة.

وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي»  ([1]).

هذا غشٌّ؛ لأنه كتم العيب الذي في السلعة وجعله في أسفلها، حتى ولو كان ما هو مِنْ عمله، بل من المطر. الواجب عليه أن يبينَ أعلاه وأسفله. إن الذي يبيع الفواكه - يبيع الرطب، يبيع الخضار - ويجعل الرديء في أسفل، يجعل الرديء الخربان في أسفل الصناديق والأوعية، ويجعل المنظر الطيب والأنواع الجيدة يجعلها أعلى؛ فيظن المشتري أن هذا السطل، أو هذا الزنبيل، أو هذا الصندوق - كله كذلك أعلاه وأسفله؛ فيشتريه، فإذا وصل البيت وجد أن الجيد منه غطاء فقط، والرديء أسفل، أكثره خربان وتعبان لا ينفع، ماذا يصنع؟ ما يصنع إلا أن يرفع يده إلى السماء ويدعو على هذا الذي غشَّه وأكل ماله بالباطل.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (102).