فلما
مَضَى عهد القرون المفضلة، جاءت طوائف من أهل الضلال تَدَّعي الإسلام، وبنت
المساجد على القبور، فحينئذٍ حَدَث الشرك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فصاروا
يذبحون للقبور، ويَنذِرون للقبور، ويطوفون بالقبور.
وهذا
ظاهر معروف، ليس بخفي، مَن ذهب منكم خارج هذه البلاد يرى هذا، يرى القبور وما يحصل
حولها من الشرك الأكبر، والعياذ بالله.
الحاصل:
أن هذا معنى قوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ﴾ [البقرة: 213]، الناس ما يكونون أبدًا أمة واحدة إلا
بالتوحيد. فإذا حَدَث الشرك تفرقت الأمة، وصار كلٌّ يتبع ما يعبده من دون الله عز
وجل
﴿فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ [البقرة: 213]. هذه مهمة الرسل، يبشرون أهل الإيمان
بالجنة والسعادة، ويُنذرون أهل الشرك والكفر بالنار والعذاب. هذه وظيفة الرسل
عليهم الصلاة والسلام.
﴿فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ
مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ﴾ [البقرة:
213]، فكل نبي يُنْزِل الله معه الكتاب لقومه، يدعوهم إلى الله، ويأمرهم باتباع
الكتاب الذي هو شريعة الله جل وعلا.
أنزل على موسى عليه السلام التوراة، وأنزل على
عيسى عليه السلام الإنجيل، وأنزل على داود عليه السلام الزبور، وأنزل على محمد صلى
الله عليه وسلم القرآن الذي هو أعظم الكتب، والذي هو مهيمن على الكتب، والذي نَسَخ
الله به الكتب، وهو لا يُنْسَخ إلى أن تقوم الساعة ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ﴾
[البقرة: 213] أنزل الكتاب، لماذا؟ لأجل أن يُقرأ فقط؟ يُترنم به؟ لا، ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ
فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ﴾ [البقرة: 213]،