×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

ثم قال تعالى: ﴿كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ [البقرة: 282] هذا تأكيد لقوله: ﴿وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ [البقرة: 282]، فإنه إذا أبى أن يكتب فقد جحد نعمة الله عليه؛ لأن الله عَلَّمه الكتابة وهي نعمة، فتَعلُّم الكتابة نعمة من الله عز وجل، شُكْرها بأن يَبذل الكتابة للمحتاجين، فيَكتب لهم ما يحتاجون إليه، فإن أبى أن يكتب فقد جحد نعمة الله عليه، فيكون هذا كفرانًا للنعمة.

﴿كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ [البقرة: 282] وهذا فيه إشعار بأن الكاتب إنما تَعَلَّم الكتابة بفضل الله، ولو شاء الله ما استطاع أن يكتب ولا أن يعرف الكتابة، فالله هو الذي عَلَّمه الكتابة وأَمَره أن يَكتب بين الناس.

﴿كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُۚ هذه واحدة، الكتابة، وعَرَفنا أدب الكاتب، أَدَّبه الله سبحانه وتعالى.

ثم قال تعالى: ﴿وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ [البقرة: 282] مَن الذي يملي على الكاتب؟ هل هو الدائن؟ لا، هل هو الشهود؟ لا، الذي يملي على الكاتب هو المَدين، يعترف بالحق الذي عليه ويُقِر بالحق الذي عليه، لا يملي غيره، ﴿وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِي عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ.

ثم ذَكَر أدب المَدين فقال: ﴿وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ [البقرة: 282] يتقي الله سبحانه وتعالى، ولا يجحد شيئًا من الدَّين أو يأبى أن يعترف بالدَّين والحقِّ الَّذي عليه.

﴿وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ فإن أبى أن يملي وهو قادر على الإملاء؛ من أجل أن يَضيع الحق وأبى أن يُقر؛ فإنه لا يتقي الله عز وجل، هذا دليل على عدم تقواه وخوفه من الله سبحانه وتعالى.

ثم قال عز وجل: ﴿وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ الذي أنعم الله عليه ورَبَّاه، فلا يقابل نعمة الله بجحود الحقوق التي عليه وكتمانها؛ فإن الله مُطلِع


الشرح