ساجدًا
بين يدي ربه عز وجل، فلا يزال ساجدًا حتى يقال له: «يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ
رَأْسَكَ، قُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» ([1]).
فيشفع للخلائق في أن الله يفصل بينهم ويريحهم من الموقف.
وهذا
كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ
ٱلَّيۡلِ فَتَهَجَّدۡ بِهِۦ نَافِلَةٗ لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا﴾ [الإسراء: 79]، ﴿مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا﴾ هو الشفاعة العظمى لجميع
الخلق، ﴿مَّحۡمُودٗا﴾ يحمده عليه الأولون
والآخرون. فهذا مما رفعه الله به درجات على سائر الخلق.
وقال
صلى الله عليه وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلاَ فَخْرَ» ([2]).
لا يفتخر صلى الله عليه وسلم بهذا، وإنما يَذكر هذا من باب التحدُّث بنعمة الله عز
وجل.
﴿وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ﴾ [البقرة: 253] عيسى ابن مريم نُسِب إلى أمه؛ لأنه ليس
له أب، وإنما خلقه الله عز وجل بأمره بدون أب، خَلَقه من أُم بلا أب، الله قادر
على كل شيء، الله خَلَق آدم عليه السلام بدون أُم ولا أب، ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن
تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾
[آل عمران: 59]، كذلك قال لعيسى عليه السلام: ﴿كُن﴾ فكان بإذن الله بدون أب.
﴿وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ﴾ هذا من فضائله،
أن الله آتاه البينات.
ما
هي البينات؟
هي المذكورة - والله أعلم - في قوله تعالى: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱذۡكُرۡ نِعۡمَتِي عَلَيۡكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذۡ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِ﴾ [المائدة: 110].
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4476)، ومسلم رقم (193).