ولا يليق بعدله - سبحانه -
أن يترك هؤلاء العابثين من الملاحدة، والكفار، والمشركين، وأصحاب الأعمال السيئة
والإفساد في الأرض، الذين يؤذون العباد ويُفسدون في البلاد، لا يليق بعدله أن
يتركهم سُدًى سبحانه وتعالى.
فقوله
سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ﴾
اللام هذه مُوطِّئة للقَسَم، فهو خبر مُؤكَّد بالقَسَم؛ لأن اللام تدل على قَسَم
مُقدَّر. «وقد» حرف تحقيق. فهي مُؤكِّدات مع أنه لا أحد يشك في أن الله هو الذي
خَلَق الإنسان، لكن الغرض من ذلك هو التوصل إلى ما بعده، فإذا كنتم لا تنكرون أن
الله خَلَقكم وأوجدكم من عدم، فكيف تتمردون عليه سبحانه وتعالى وعلى رسله وعلى
عباده؟!
و﴿ٱلۡإِنسَٰنَ﴾ المراد به: ابن آدم. وخصه بالذِّكْر مع أن الله
خَلَق كل شيء؛ لأن هذا الإنسان هو المتمرد وهو المفسد إلاَّ مَن رَحِم الله سبحانه
وتعالى. أما بقية المخلوقات، فكُلٌّ آخِذ طريقه وما هيأه الله له، إلاَّ هذا
الإنسان، فكيف يتجبر على خالقه سبحانه وتعالى وهو يُقِر بأنه وُجِد بعد أن لم
يكن؟! ومَن الذي أوجده؟ فكل حدث لابد له من مُحْدِث، وكل خلق لابد له من خالق! هذا
ما تقتضيه العقول السليمة، فإذا كان مخلوقًا فكيف يتمرد على الله عز وجل ؟! كيف لا
يخاف من خالقه سبحانه وتعالى ؟!
ثم ذَكَر عز وجل أنه مُحْصٍ عليه جميع أعماله، فليفعل ما يشاء، وليُكذِّب، وليتمرد، وليُفسِد، وليَفسق!! فإنه يُحصي عليه كل ما صَدَر منه، ولا يَظن أنه مُهمَل وأنه يسرح ويمرح ويفعل ما يشاء، ثم يُترَك!! هو عز وجل محيط به من كل جانب، فليفعل ما يشاء: إن خيرًا، وإن شرًّا؛ فإن كل شيء مُحصًى عليه ومُسجَّل.