بالعبادة، هذا غير
إفراده بالخلق والرزق والتدبير، بل إفراد الله بالعبادة؛ بأن لا يُعبَد إلَّا الله
سبحانه وتعالى لا يُصَلَّى، ولا يُدعى، ولا يُذبَح، ولا يُنذَر، ولا يُحَج، ولا
يُعتَمر، ولا يُتصَدق، ولا... إلى آخره؛ إلاَّ لله سبحانه وتعالى، يُبتغى بذلك وجه
الله سبحانه وتعالى.
وهذا هو الذي وقعت
الخصومة فيه بين الرسل والأمم.
أما الأول فما وقعت
فيه خصومة، لأن الأمم مقِرَّة بأن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، المدبر،
ولم يُنكِر توحيد الربوبية إلاَّ شُذَّاذ من الخلق، أنكروه في الظاهر، ولكنهم
مستيقنون به في الباطن، من ذلك: فرعون، وإن كان جحد وجود الرَّب سبحانه وتعالى،
وقال: ﴿أَنَا۠
رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾ [النازعات: 24] فهذا في الظاهر،
وإلَّا فهو يقر في قرارة نفسه أنه ليس برب، وأنه لا يخلق، ولا يرزق، وإنما في
قرارة نفسه يعترف بأن الله هو الخالق الرازق، كذلك الشيوعية في عصرنا الحاضر
جحودها للرِّبِّ، هذا في الظاهر، وإلَّا فكل عاقل يعلم أن هذا الكون ما وُجِدَ من
دون خالق، ومن دون مدبِّر، ومن دون موجد، أبدًا، كل عاقل يعترف بتوحيد الربوبية.
أما توحيد الألوهية والعبادة، فهذا قَلَّ من الخلق من أقرَّ به، ما أقرَّ به إلَّا المؤمنون أتباع الرسل، هم الذين أقرُّوا به، أما عموم الكفار فإنهم ينكرون توحيد الألوهية، بمعنى: أنهم لا يفردون الله بالعبادة، حتى وإن أقروا بالنوع الأول وهو: توحيد الربوبية وإن عبدوا الله ببعض أنواع العبادة.