باب الخوف
من الشرك
****
هذا الباب في غاية المناسبة للأبواب السابقة،
وهذا من دقَّة فقهه وفهمه رحمه الله وحُسن تأليفه، فإنه لما ذكر في الباب الأول:
معرفة حقيقة التَّوحيد، وذكر في الباب الثاني: فضل التَّوحيد وما يكفِّر من
الذنوب، وذكر في الباب الثالث: من حقَّق التَّوحيد دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب.
لما ذكر هذه الأبواب ناسب أن يذكر ضدَّ التَّوحيد وهو الشرك؛ لأنَّه لا يكفي أنَّ
الإنسان يعرف التَّوحيد ويعمل به، بل لا بد أن يعرف ضدَّه وهو الشرك، خشية أن يقع
فيه، ويُفسد عليه توحيده، لأن من لا يعرف الشيَّء يوشك أن يقع فيه، كما قال أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يوشك أن تُنْقَض عُرى الإسلام عُروة
عُروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية» لأنه لا يدري عن أمور الجاهلية
أو يحسبها شيئًا طيِّبًا وهي من أمور الجاهلية، فبجهله بحقيقتها الْتَبَسَتْ، فصار
يفعلها وهي من الجاهلية، فكذلك وأخطر من ذلك من لا يعرف الشرك ومداخله، وأنواعه،
وأخطاره، فإنه حَرِيٌ أن يقع في الشرك من حيث لا يدري؛ لأن الجهل داء قاتل،
والشاعر يقول:
وَالضِّدُّ يُظْهِرُ
حُسْنَهُ الضِّدُّ *** وَبِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأَْشْيَاءُ
فلا يعرف قيمة الصحة إلاَّ من ذاق المرض، ولا يعرف قيمة النور إلاَّ من وقع في الظلام، ولا يعرف قيمة الماء إلاَّ من عطش، وهكذا، ولا يعرف قيمة الطعام إلَّا من مسَّه الجوع، ولا يعرف قيمة الأمن إلاَّ
الصفحة 1 / 619