الشتاء والصيف، فجعلوه في الربيع، وحوَّلوه إِلى
وقتٍ لا يتغير، ثم قالوا عند التحويل: زِيدُوا فيه عشرةَ أَيامٍ. كفارة لما صنعوا،
فصار أربعين. وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183] أَي: بسبب الصوم، فالصوم يُسبِّب
التَّقوى لما فيه مِن قَهْر النَّفسِ وكسر الشَّهوات. وقوله تعالى: ﴿أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ﴾ [البقرة: 184] قيل: هي أَيامٌ مِن غير رمضانَ، وكانت ثلاثةَ أَيام. وقيل:
هي أَيام رمضانَ، لأَنَّه بينها في الآية التي بعدها بقولِه: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ﴾ [البقرة: 185] ».
قالوا: وكانوا في
أَوَّل الإِسلام مُخيَّرين بين الصَّوم والفدية، لقولِه تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلَّذِينَ
يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيۡرٗا فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥۚ وَأَن تَصُومُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ﴾ [البقرة: 184] ثم
نسخ التخيير بإيجاب الصوم عينًا بقوله: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ﴾ [البقرة: 185]،
وحكمة ذلك: التدرج في التشريع، والرفق بالأمة؛ لأنهم لما لم يألفوا الصوم، كان
تعيينه عليهم ابتداء فيه مشقة، فخيروا بينه وبين الفدية أولاً، ثم قوي يقينهم
واطمأنت نفوسهم وألفوا الصوم، ووجب عليهم الصوم وحده، ولهذا نظائر في شرائع
الإسلام الشاقة، فهي تشرع بالتدريج، لكن الصحيح أن الآية منسوخة في حق القادر على
الصيام، وأما في حق العاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، فالآية لم تنسخ في
حقهم، فلهم أن يفطروا ويطعموا عن كل يوم مسكينا، وليس عليهم قضاء.
أما غيرهم، فالواجب
عليهم الصوم، فإن أفطر لمرض عارض أو سفر؛ فإنه يجب عليه القضاء لقوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ
فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ﴾ [البقرة: 185].