قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمَ سِتِّينَ
مِسْكِينًا؟» قَالَ: لاَ. ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم
بَعَرْقٍ ([1]) فِيهِ تَمْرٌ.
قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا». فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا
بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قال: «اذْهَبْ فَأْطِعْمُه
أَهْلَكَ» ([2]).
وقد ذكر شيخ
الإِسلام ابنُ تيْميَّةَ رحمه الله أَن الجماع في حق الصائم فيه شَبَهٌ بالحيض
والحجامة مِن ناحية أَنه استفراغٌ، وفيه شبهٌ بالأَكل والشُّرب مِن ناحية الشهوة،
فقال رحمه الله: «وأَما الجماع فاعتبار أَنه سببُ إِنزال المني؛ يجري مجرَى
الاستقاءةِ والحيضِ والاحتجام، فإِنه نوعٌ مِن الاستفراغ، ومن جهة أَنه إِحدى
الشهوتين، فجرى مجرى الأَكل والشُّرب، وقد أَخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم عن
ربه أَنه قال في الصائم: «يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» ([3]). فتَرْكُ الإِنسان
ما يشتهيه للهِ هو عبادةٌ مقصودةٌ يُثاب عليها.
والجماع من أَعظم نعيم البَدَن وسرورِ النفس وانبساطها، وهو يحرك الشَّهوة والدَّم والبدن أَكثر من الأَكل، فإِذا كان الشيطان يجري من ابنِ آدمَ مجرَى الدم، والغذاءُ يَبسُطُ الدَّم فتنبسط نفسُه إِلى الشهوات؛ فهذا المعنى في الجماع أَبلغ، فإِنه يَبسط إِرادة النفس للشهواتِ، ويَشغل إِرادتها عن العبادة، بل الجماع هو غايةُ الشهواتِ، وشهوته أَعظم مِن شهوة الطعام والشراب؛ ولهذا أُوجِب على المجامع كفارة الظَّهار،
([1])العَرْقُ -بفتْحِ العَينِ وسُكونِ الرَّاءِ-: هو الزَّنْبِيلُ.