×
إتحاف أهل الإيمان بدروس شهر رمضان

 يهِيمُون في الشوارع، ويسهرون للعب والسَّفه، ولا يحترمون هذه الليالي، ولا تكون لها منزلةٌ في نفوسِهم؛ وهذا مِن سوءِ التربية، وأَنه لمِن الحرمان الواضحِ والخسران المبين أَن تأْتيَ هذه الليالي وتنتهي، وكثيرٌ مِن الناس في غفلةٍ معرضون، لا يهتمُّون لها ولا يستفيدون منها، يسهرون الليل كلَّه أَو معظمَه فيما لا فائدة فيه، أَو فيه فائدةٌ محدودةٌ يمكن حصولهم عليها في وقتٍ آخر، ويعطِّلون هذه الليالي عما خُصِّصت له، فإِذا جاء وقت القيام ناموا وفوتوا على أَنفسهم خيرًا كثيرًا، لعلهم لا يدركونه في عامٍ آخر، وقد حمَّلوا أَنفسهم وأَهليهم وأَولادهم أَوزارًا ثقيلةً لم يفكروا في سوء عاقبتها.

وقد يقول بعضُهم: إِن هذا القيام نافلةٌ، وأَنا يكفيني المحافظة على الفرائض. وقد قالت أُمَّ المؤمنين عَائشَةَ رضي الله عنها لأَمثال هؤلاء: «بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ يَقُوُلُوُنَ: إِنْ أَدَّيْنَا الفَرَائضَ لمْ نُبَالِ أَنْ نَزْدَادَ. ولَعَمْرِي لاَ يَسْأَلُهُمُ اللهُ إِلاَّ عَمَّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يُخْطِئُونَ بَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمَا أَنْتُمْ إِلاَّ مِنْ نَبِيِّكُمْ، وَمَا نَبِيُّكُمْ إِلاَّ مِنْكُمْ، وَاللهِ مَا تَرَكَ رَسُوُلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قِيَامَ اللِّيْلِ».

ومن خصائص هذه العشر المباركة: أَنها يُرجى فيها مصادفة ليلةِ القَدْر التي قال الله فيها: ﴿لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ [القدر: 3]. وفي «الصَّحيحَين» عن أَبي هُرَيرَة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» ([1]). ولا يَظفَر المسلم بهذه الليلة العظيمة إِلا إِذا قام ليالي العشر كلَّها؛ لأَنها لم تَتحدد في ليلةٍ معيَّنةٍ منها، وهذا مِن حكمة الله سبحانه؛ لأَجل أَن يَكْثُرَ اجتهاد العباد


الشرح

([1])أخرجه : البخاري رقم (1901)، ومسلم رقم (760).