×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

﴿فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي [البقرة: 186]، الإيمان بالله عز وجل هو أساس الدين وأساسُ القَبُول للدعاء وغيره، فالذي يدعو وهو غيرُ مؤمن لا يستجاب له إلا عند الضرورة؛ فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاء المضطر ولو كان غير مؤمن، ولو كان كافرًا، ﴿فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ يُشۡرِكُونَ [العنكبوت: 65]، ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل: 62]، فهو يجيب المضطر ولو كان كافرًا.

فالكفار إذا دَعَوُا الله في وقت الشدة استجاب الله لهم، لماذا؟ لأنهم يُخلصون الدعاء وينسَوْن ما يعبدونه مِنَ الأصنام والأنداد؛ ينسونه في حال الشدة، ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا[الإسراء: 67]، فهم في حال الشدة يعلمون أنه لا يُخَلّص منها إلا الله، فيخلصون الدعاء لله فيستجيب الله لهم، وينقذهم من الشدة.

ولكن في وقتنا الحاضر عُبَّاد القبور أشدُّ مِنَ المشركين؛ لأن عباد القبور في الشدة ما يخلصون الدعاء، وإنما يدعون الأموات، ويستغيثون بالأولياء والصالحين في حال الشدة؛ فهم أشد شركًا مِنَ الأولين الذين يشركون في حال الرخاء ويخلصون في حال الشدة. أما هؤلاء فشركهم دائمٌ في الرخاء والشدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

﴿لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ [البقرة: 186]: إذا دَعَوُا الله عز وجل وأخلصوا في الدعاء فإنهم يرشُدون، والرشد ضد الغي، فهو يحصل بالإيمان بالله عز وجل، ويحصل بإخلاص العبادة والدعاء لله عز وجل، ويحصل بالاستجابة لله ولرسوله، وبضد ذلك يحصل الغيُّ والضلال.

والدعاء له أوقاتٌ أكثر وأحرى أن يستجاب فيها، له أحوال وأوقات


الشرح