فلم
يتركهم إلى عقولهم ولا إلى اجتهاداتهم، أو إلى تقليد فلان وعلان. لا، بل هو سبحانه
وتعالى الذي بَيَّن لهم ما ينفعهم وبَيَّن لهم ما يضرهم، وفصّل لهم الأحكام حتى لم
يبقَ فيها لبسٌ، ولله الحمد، ولكن لا يعرِف هذا البيان إلا أهلُ العلم. لا يعرِف
البيان الذي في القرآن والتفصيل الذي في القرآن إلا أهلُ العلم. أما العوام فلا
يعرِفون هذا، يعرفونه مجملاً، لكن لا يعرفونه مفصلاً، ولا يعرفون ضوابطه، ولا
يعرفون شروطَهُ وحدودَهُ. هذا إنما يعرفه العلماء.
﴿كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ﴾
ما بين لبعض الناس دون بعض، أو خصّ بعض الناس دون بعض، بل إنه بَيّن لعباده كلهم؛
مَنْ أراد البيان وأراد معرفة الأحكام؛ فإنه يجد ذلك في كتاب الله وفي سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم. الله جل وعلا أقام الحجة على عباده، على الناس جميعًا،
على المؤمنين والكفار. الله بَيّن للناس جميعًا: المسلمين والكفار، بَيّن لهم طريق
الحق والصواب وطريق الضلال والغي؛ حتى يكونَ الإنسانُ على بصيرة ولا يكون له حجةٌ
على الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؛ لأن الله بَيّن له هذا القرآن العظيم، لكن
القرآن يحتاج إلى تأمل وإلى تدبر وإلى دراسة وإلى عناية، يحتاج إلى هذا.
﴿كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: 187] ما قال: يبين آياته للمؤمنين فقط، بل
للناس المسلمين والكفار. المسلمون لأجل أن ينتفعوا بها، والكفار لأجل أن تقام
عليهم الحجة؛ حتى لا يقولوا يوم القيامة: ما عَرَفْنا، ما جاءنا نذير، ما نزل
علينا قرآنٌ. ما لهم حجةٌ، الحجة قامت بهذا القرآن.
﴿قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ