لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ﴾
[الأنعام: 19]، القرآن حجةٌ على جميع الناس. قال تعالى عن الرسول صلى الله عليه
وسلم: إنه أمره أن يقول: إن القرآن أُنزل عليّ لأنذركم به ومَنْ بلغ، أي: مَنْ
بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجةُ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالْقُرْآنُ
حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ» ([1])،
حجة لك إذا عملت به، وحجة عليك إذا لم تعمل به.
الحجة
قائمةٌ بكل حال على المؤمنين والكفار، ولكن المؤمنين انتفعوا به وعملوا به. أما
الكفار فأعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه؛ فكان حجةً عليهم يوم القيامة، ما لهم عذر
عند الله سبحانه وتعالى، ﴿أَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُم بِهَا
تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: 105]، يوم
القيامة يعاتبهم الله فيقول: ﴿أَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي﴾:
القرآن، ﴿تُتۡلَىٰ
عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾
[المؤمنون: 105]: يعاتبهم الله جل وعلا وهم في النار؛ لأنه أقام عليهم الحجة
ولكنهم هم الذين أعرضوا عنها ولم يقبلوها؛ فكانت الخسارةُ عليهم، هم الذين ضيعوا
أنفسهم، والعياذ بالله.
﴿كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ
يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 187]، لأجل أي
شيء؟ ﴿لَعَلَّهُمۡ
يَتَّقُونَ﴾، «لعل»: حرف ترجٍّ وتوقع، ﴿لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ﴾ غضب الله وعقاب الله، يتقون الحرام، يتقون ما يضرهم،
يتخذون وقاية تقيهم مِنْ غضب الله وعقابه، تقيهم مِنَ النار.
فالذي يريد الوقاية مِنْ غضب الله والوقاية مِنَ النار والعذاب؛ فعليه أن يعمل بهذا القرآن وبهذه الآيات التي بينها الله سبحانه وتعالى، وبينها رسولُهُ صلى الله عليه وسلم في سنَّته. فليس بعد نزول القرآن وإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم حجةٌ لأحد. ﴿أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ﴾ [المائدة: 19]،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (223).