×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ معطوف على قوله: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ [البقرة: 188] وهو مجزومٌ بـ«لا» الناهية، ﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ [البقرة: 188]، يعني: القضاةَ، وهذا يعني أنه لا يجوز للإنسان أن يخاصمَ بباطل، أن يخاصم وهو مبطل يعلم أنه على غير حق، فيخاصم عند القاضي مِنْ أجل أن يأخذ مال خصمه بغير حق.

﴿وَتُدۡلُواْ بِهَآ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ: أن ترفع قضية على إنسان وأنت كذاب، تريد أن تأخذ ماله بالزور، شهادات الزور، هذا لا يجوز، وحكم الحاكم لا يحل لك ذلك، حتى ولو حكم الحاكم لك بمال أخيك فإنه لا يجوز لك أخذُهُ؛ لأن الحاكمَ بَشَر، يحكم على نحو ما يسمع، ولا يعلم الحاكمُ الغيب؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَا أَسْمَع، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ»  ([1]).

القاضي لا يعلم الغيب، فهو بشر يحكم بموجب الشهادة، قد تكون الشهادة شهادةَ زور، أو يحكم باليمين على مَنْ أنكر، وقد يكون الحالف كذَّابًا. القاضي يحكم بالظاهر، يحكم بالبينة، فإن لم تكنْ بينة يحكم باليمين، هذا الذي يظهر له.

أما الحقائقُ فلا يعلمها إلا اللهُ سبحانه وتعالى، وتعاد الخصومات يوم القيامة، لا تظن أن الخصومة قد انتهت عند القاضي، تعاد الخصوماتُ بين يدي الله يوم القيامة، فينصف الرب سبحانه وتعالى المظلومين مِنَ الظَّلَمة.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6967)، ومسلم رقم (1713).