×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

المجاهد في سبيل الله أفضلُ مِنَ الصائم القائم، كما قال سبحانه: ﴿مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَ‍ُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٢٠ وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [التوبة: 120، 121] فلا شيءَ يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل مِنَ الأعمال، لِمَنْ يقدر على الجهاد.

ولما كان الجهادُ في سبيل الله فيه مشقة عظيمة تَأَخَّر فرضُه إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فقد مَرَّ الجهاد بمراحِلَ، وشرعه اللهُ بالتدريج شيئًا فشيئًا:

المرحلة الأولى: كان الجهاد ممنوعًا في الإسلام: يوم أن كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم والصحابة في مكة قبل الهجرة، كانوا ممنوعين مِنَ الجهاد والقتال؛ لأن ذلك يجر عليهم شرًّا؛ لأنهم لو قاتلوا وهم في مكة؛ لجرَّ ذلك عليهم شرًّا عظيمًا، فيتسلط الكفار عليهم ويبيدونهم عن آخِرِهم؛ لأنهم تحت قبضة الكفار، والكفار أقوى منهم، فكانوا منهيين عن القتال في سبيل الله ومأمورين بأن يكفوا أيديهم؛ ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ[النساء: 77]، هذا في مكة.

وكانوا يصيبون المسلمين بالأذى، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم يصيبونه بالأذى، وكان الرسول مأمورًا بالصفح والإعراض والعفو والصبر. هذا كلُّه في مكة، كان يصدر مِنَ الكفار في حق المسلمين التعذيبُ، يُعذِّبون مَنْ آمن عذابًا شديدًا، ويطلبون منه أن يترك الإسلام وأن يرجعَ إلى الكفر؛


الشرح