×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

فمنهم مَنْ صبر على العذاب، ومنهم مَنْ قُتل في مكة لما أبى أن يرجعَ إلى الكفر.

وكان الله يأمرهم بالصبر ويأمرهم بالعفو والصفح والإعراض عن المشركين؛ لأنهم لو قاتلوا في هذه الفترة لتسلط عليهم الكفار وأبادوهم عَنْ آخرهم؛ ولأنه ليس للمسلمين قوة في هذه الفترة المكية.

فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ إلى المدينة وصارت للمسلمين دولة في المدينة، وصار لهم أنصارٌ مِنْ أهل المدينة، وصار لهم دارُ إسلام يأوون إليها؛ عند ذلك شرع الله الجهاد في سبيله بعد الهجرة، لكنه لم يأمر به مرة واحدة؛ لمشقته على الناس، ولكنه سبحانه وتعالى تدرَّج في تشريعه حتى يستسهلَهُ المسلمون.

وهكذا حكمة اللهِ في الأمور الشاقة: أن الله لا يشرعها ابتداء، وإنما يشرعها بالتدريج، كما مرَّ بكم في فريضة الصيام كيف شرعه الله بالتدريج؛ كذلك الجهادُ شرعه الله بالتدريج: لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ أذن لهم بالقتال بعد أن كانوا ممنوعين، مجرد إذن، قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ[الحج: 39]، هذا إذن فقط مِنْ غير أمر.

ثم بعد ذلك، وهي المرحلة الثالثة: أُمِرُوا بقتال مَنْ قاتلهم والكف عمن لم يقاتلهم، كما في هذه الآية: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ [البقرة: 190]. فأُمِرُوا بقتال مَنْ قاتلهم والكف عمن لم يقاتلهم، هذه المرحلة الثالثة.

المرحلة الرابعة: لما قوي المسلمون وصار عندهم استعدادٌ بالسلاح والرجال؛ أمرهم اللهُ بالقتال ابتداءً، وأمرهم بغزو الكفار في بلادهم؛


الشرح