×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ [البقرة: 195]، ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ [البقرة: 195]، هذا نهيٌ، والتهلكة: ما فيه هلاكُ النفس، ومعنى: ﴿وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ، أي: لا تعرضوا أنفسكم للخطر والتلف؛ فإنك مسئول عن نفسك بألاَّ تهلكها وتعرضها للخطر.

وقد تنوَّعتْ عبارات المفسرين في معنى قوله: ﴿وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ [البقرة: 195]:

فقيل: معناه: لا تمسكوا عن الإنفاق في سبيل الله؛ لأن هذا تهلكة؛ لأنكم إذا أمسكتم عن الإنفاقِ في سبيل الله تعطل الجهاد، فصار في ذلك هلكة للمسلمين وتسلطٌ للأعداء. هذا قول، وهو قول حق.

وقيل: ﴿وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ، لا تخاطروا بأنفسكم في مواطن الخطر، لا تعرضوا أنفسكم لما فيه خطرٌ، بل عليكم أن تجنبوا أنفسكم مواطن الخطر، إلا إذا كان في هذا مصلحة راجحة، إذا كان في تعريض النفس للخطر مصلحة راجحة؛ فهذا لا بأس به. مثلُ: الجهاد في سبيل الله، الإنسانُ يُعرض نفسه للخطر، في الجهاد يعرض الإنسانُ نفسه للقتل وللخطر وللجراح، ولكنَّ المصلحة في ذلك أرجحُ، وهي عزُّ الإسلام ونصرُ الإسلام والمسلمين. فالمصلحة راجحة على المضرة. وكذلك الانغماس في العدو، انغماس المسلم المجاهد في العدو إذا كان هذا ينكأ في العدو، ويقوي المسلمين المجاهدين. فهذا أيضًا مصلحتُهُ راجحة.

فإذا تقابل الجيشان: جيشُ الكفار وجيش المسلمين، وابتدر شجاع من الشجعان فغامر واقتحم الحصن وبارز الكفار ووقع في صفهم؛


الشرح