مِنْ
أجل أن يفتك بهم يهيئ للمسلمين الانتصار عليهم. فهذا وإن كان مِنَ الإلقاء بالنفس
إلى التهلكة لكنَّ مصلحتَه راجحة؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يغامرون في
مواطنِ الجهاد، ويقتحمون على الأعداء وينغمسون في صفوفهم ويبارزونهم، وإن كان في
هذا خطرٌ؛ فإنه في مصلحة المسلمين.
أما
إذا لم يكن هناك مصلحة أو المضرة أرجحُ؛ فلا يجوز للإنسان أن يخاطر بنفسه في شيءٍ
لا تترجح مصلحتُهُ، أو كان مغامرتُهُ تضر المسلمين، يمكن أنْ يغامرَ الإنسانُ
بنفسه ويقتل مَنْ يقتل مِنَ الكفار أو يتلف شيئًا مِنْ أموالهم؛ فينقضون على
المسلمين بسبب هذه المغامرة. فهذا ضررُه أرجحُ فلا يجوز؛ لأنه يجر على المسلمين
شرًّا، ﴿وَلَا
تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ﴾
[البقرة: 195]، أي: لا تخاطروا بأنفسكم. هذا قولٌ في الآية، إلا ما كانت مصلحته
أرجحَ مِنْ مضرَّتِهِ.
وقولٌ
ثالث في الآية: ﴿وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ﴾، أي: لا توقعوا أنفسكم في المعاصي فلا تتوبون منها.
فالإنسان الذي يوقع نفسه في المعاصي ولا يتوب؛ فهذا ألقى بيده إلى التهلكة. وهذا
حق أيضًا. الأقوالُ كلُّهَا حق، والآية تتحملها كلها.
فلا يجوز للإنسان أنْ يسرف على نفسه بالمعاصي ويقنط مِنْ رحمة الله، وييئس مِنْ رحمة الله، ويظن أنه لا يغفر له، فيكثر مِنَ المعاصي ويترك التوبة، قال تعالى: ﴿قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ﴾ [الزمر: 53]، وقال تعالى: ﴿قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾ [الحجر: 56]، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَا يَاْيَۡٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ [يوسف: 87].