﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ﴾ [البقرة: 197]، الجدال معناه: المخاصمة في
الكلام، فالمُحرِم لا يشتغل بالجدال الَّذي لا فائدة فيه، أو الجدال الَّذي يحصل
بسببه الغضب، أو قد يُفضِي إلى الانتقام، وقد يفضي إلى القتل، وقد يفضي إلى
الضَّرب، وقد يفضي إلى القطيعة. فلا ينبغي أنْ يشتغل الإنسانُ بالجدال، ولكنَّه
إذا كان محرمًا فهو أولى أن يتركَ الجدال مع النَّاس والمخاصمة مع النَّاس، ويقبل
على إحرامه وعلى طاعة الله.
أما
الجدال الذي فيه فائدة لإحقاق حقٍّ أو دفع باطل في أمور
الدين، اللهُ عز وجل يقول: ﴿وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾
[النحل: 125]، فالجدال إذا كان لأجل بيان حقٍّ أو ردِّ باطل في أمور الدين؛
فإنه عبادة، فلا بأس أن يجادل وهو مُحرِم الجدال الذي يؤيد به حقًّا أو يدفع به
باطلاً، إنَّما الجدال الذي لا فائدة فيه أو جدال في أمور الدنيا؛ فإنه يتركه
ما دام مُحْرِمًا ويقبل على إحرامه؛ لأن الجدال:
أوَّل
شيء: أنَّه يشغله عن ذكر الله.
ثانيًا:
أنه يبعث الحزازة في النفوس والشحناء بين المتجادلين.
ثالثًا:
قد يفضي إلى محرم وهو الإيذاء: إما بقتل أو ضرب، أو غير ذلك مِنَ الأمور التي تنتج
عن الجدال.
فالمُحرِم يتجنب هذا ويسد هذا الباب، إلا ما كان مِنَ الجدال في أمور الدين - كما ذكرنا - وهو عنده علم أيضًا، ما كلٌّ يجادل في أمور الدين، ما يجادل إلا إنسانٌ عالمٌ يعرف الحقَّ مِنَ الباطل. أما العامِّيُّ وأما الذي لا يعرِف كيف يرد على المبطلين وكيف يبيِّن الحقَّ. فهذا يسكت ولا يجادل، ﴿وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ﴾ [البقرة: 197]