فلم
يستفد من دنياه وفاتته الآخرة؛ لأنه لم يستعد لها.
﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا﴾ [البقرة: 212]، وسُميت الدنيا لأنها قريبة، والتي بعدها
تسمى الدار الآخرة، وتسمى دار القرار.
﴿وَيَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ﴾
[البقرة: 212] الكفار لم يكتفوا بأنهم اهتموا بها وضيعوا آخرتهم، بل يسخرون من
الذين آمنوا ويستهزئون بهم، ويقولون: هؤلاء مغفَّلون. يشتغلون لدار مقبلة، ويتركون
الدار العاجلة التي بين أيديهم. يشتغلون لشيء مستقبل ويتركون الدار التي بين
أيديهم. هؤلاء مساكين. هؤلاء مغفلون. هؤلاء متأخرون. هؤلاء رجعيون... إلى آخر ما
يقولون من الألقاب والذم للمؤمنين كما نسمعه الآن، ونقرؤه الآن، من سخرية الكفار
للمؤمنين وتَنَقُّص المؤمنين، وأنهم قوم لا عقول لهم، وأنهم قاصرو النظر، وأنهم...
إلى آخره. هذا شأنهم مع المسلمين.
فهم
جمعوا بين أمرين:
الأمر
الأول: أنهم زُيِّنت لهم الحياة الدنيا، واقتصر همهم عليها،
وضيعوا الآخرة.
والأمر
الثاني: أنهم يسخرون ويستهزئون من عباد الله الذين يعملون
للآخرة، ويصفونهم بقِصَر النظر والتغفيل... إلى غير ذلك.
وهذا
كما ذكر الله عنهم، ﴿إِنَّ
ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضۡحَكُونَ ٢٩ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمۡ يَتَغَامَزُونَ ٣٠ وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ
إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ﴾
[المطففين: 29-31].
يتندرون بالمؤمنين، ويتكلمون عند أهلهم، وإذا اجتمعوا في مجالسهم يتندرون بأهل الإيمان، ﴿فَكِهِينَ﴾: يتفكهون بالكلام في عباد الله المؤمنين.