×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

وأولادهم وبيوتهم في مكة، تركوها لله عز وجل، هذا هو الإيمان، هذه الهجرة.

الجهاد في سبيل الله أيضًا، عَرَّضوا أنفسهم للقتل والجراح؛ وذلك إيمانًا بالله عز وجل وطلبًا لثوابه، فهذه فضيلة عظيمة!! الجهاد في سبيل الله.

ثم قال جل وعلا: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ [البقرة: 218] فدل على أن الإنسان لا يغتر بأعماله وإن كانت جليلة، ولا يُعْجَب بها، وإنما يرجو رحمة الله، ولا يقطع لنفسه بأنه صار ناجيًا وصار من أهل الجنة، ويقول: أنا فعلت وأنا فعلت وأنا فعلت!! لا يقول كل هذا، يعتبر نفسه مقصِّرًا، ولا يدري هل تُقبل منه أعماله أو لا.

قال الله جل وعلا: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ [المؤمنون: 60].

قالت عائشة رضي الله عنها: أَهُمُ الَّذِينَ يَزْنُونَ، وَيَسْرِقُونَ، وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ؟، وَيَخَافُونَ أَنْ يُعَاقَبُوا بِذُنُوبِهِمْ؟ قَالَ: «لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، لَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَيُجَاهِدُونَ وَيَخَافُونَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ»  ([1]).

﴿أُوْلَٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ [البقرة: 218] ما قَطَعوا لأنفسهم مع أعمالهم، آمنوا وهاجروا وجاهدوا!! ومع هذا لا يقطعون لأنفسهم بالمغفرة والرحمة، وإنما يرجون.

فدلَّ على أن المسلم لا يعجب بأعماله، وأيضًا لا يقنط من رحمه الله. فالمؤمن بين الخوف والرجاء، يخاف من عقاب الله، ولا يقنط من رحمة الله عز وجل، ﴿أُوْلَٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ [البقرة: 218]


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (3175).