×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

وفيه حَثُّ مَن صدر منه شيء من المخالفات الظاهرة أو الباطنة - أن يبادر بالتوبة، ويطلب من الله المغفرة، قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٞ لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ [طه: 82].

فالله جل وعلا يغفر لمن تاب واستغفر بصدق وإيمان، يغفر الله له، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر: 53].

لمَّا ذَكَر سبحانه أنه يعلم ظواهرنا وبواطننا، حَثَّنا على التوبة مما يَصدر منا من المخالفات، ولم يغلق الباب علينا، بل فتح لنا باب التوبة.

باب التوبة مفتوح - ولله الحمد - بالليل والنهار، يَنزل ربنا جل وعلا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخِر، فيقول: «هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ -فَيَتُوبَ اللَّهُ- عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟» ([1]).

فباب التوبة مفتوح، ولا يغلق إلا عند الموت، فإذا بلغت الروح الحلقوم أُغْلِق باب التوبة.

فمَن تاب وهو يُحتضَر وبلغت روحه إلى حلقومه - حشرجت في صدره - لا يُقبل منه توبة حينئذٍ، «إِنَّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» ([2])، أي: تبلغ روحه الغرغرة.

والموت لا تدري متى ينزل، ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ[لقمان: 34].


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1145)، ومسلم رقم (758).

([2])  أخرجه: الترمذي رقم (3537)، وابن ماجه رقم (4253)، وأحمد رقم (6160).