لمَّا بَيَّن سبحانه في
الآيات السابقة أحكام الطلاق وأحكام العِدَد، وبَيَّن ما يُشرع للمُطلَّقة من
المتعة، قال جل وعلا: ﴿كَذَٰلِكَ﴾: أي: مثل هذا البيان الذي بَيَّنه لكم في هذه الآيات
ووَضَّحه لكم، ﴿يُبَيِّنُ
ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ﴾
[البقرة: 242]: فآيات القرآن مُبيَّنات، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۢ﴾
[البقرة: 99].
فآيات
القرآن ليست ألغازًا ولا أحاجي، وإنما هي آيات بيِّنات. لكن بَيِّنات لمن؟ لأهل
العلم الذين يتدبرون القرآن، ويتفهمون معانيه، فهي بَيِّنات عندهم، ﴿كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ
ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾
[البقرة: 242]. هذا فضل منه سبحانه وتعالى أنَّه يُبيِّن.
القرآن
يُفسِّر بعضه بعضًا، وأول ما يُفسَّر به القرآن هو القرآن،
هذا أول أوجه التفسير، أن يُفسَّر القرآن بالقرآن. فما أُجمل في موضع يكون
مُفصَّلاً في موضع آخر من القرآن، وما أطلق في موضع يكون مُقيَّدًا في موضع آخر.
فالقرآن
يُفسِّر بعضه بعضًا؛ لأنه كلام الله، قال الله جل وعلا:
﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ
عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ
وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ﴾ [آل
عمران: 7]، «المُحْكَمات»: هي التي يَظهر معناها في نفسها، ولا تحتاج إلى آية أخرى
تُفسِّرها. أما «المتشابهات»: فهي التي لا يظهر معناها من نفسها، وإنما يظهر
بِرَدِّها إلى آية أخرى من المحكمات تفسرها.
﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا
تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ﴾ [آل عمران: 7]، يأخذون المتشابه ويتركون المحكم.
﴿وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ﴾ [آل عمران: 7] وأما الراسخون في العلم، فإنهم يَرُدُّون المتشابه إلى المحكم. يفسرون