×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

 ولا صالح ولا ولي، ما تقول: «اشفع لي عند الله» لأنه لا يملك الشفاعة، وإنما تطلب الشفاعة ممن يملكها.

عاب الله على المشركين، ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ[يونس: 18]، ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ [الزمر: 3]، هذا باطل؛ لأن الله لم يأذن لهم بذلك، لم يقل لهم: اتَّخذوا هؤلاء يشفعون لكم عندي.

فالله جل وعلا أخبر أن الشفاعة مِلْك له، وتُطلب منه سبحانه وتعالى.

والنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا طلب منه الناس أن يشفع لهم عند الله؛ للفصل بينهم، وإراحتهم من الموقف، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع عند الله ابتداءً، وإنما يستأذن من ربه ويخر ساجدًا بين يدي الله ويدعو الله ويحمده بمحامد يُعلِّمه الله إياها، ولا يرفع رأسه من السجود حتى يقال له: «ارْفَعْ رَأْسَكَ». وحينئذٍ يؤذن له بالشفاعة.

هذا سيد الشفعاء محمد صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا بإذنه.

وبعد أن يسجد بين يديه ويدعوه ويتضرع إليه، ولا يزال ساجدًا حتى يقال له: «ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» ([1]). فيشفع حينئذٍ.

أما هؤلاء الذين يذهبون للقبور والأضرحة يطلبون الشفاعة من الأموات - فهؤلاء ضالون، ويطلبون شيئًا ليس في يد هؤلاء الأموات وليس مِلْكًا لهم. وتركوا طلب الشفاعة ممن يملكها، وهو الله جل وعلا، ﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ [البقرة: 255]، كما قال تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ[النجم: 26].


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4476)، ومسلم رقم (193).