×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

قلنا: إن المخلوقين يُشْفَع عندهم، لكن ما يُشترط أن يأذنوا، فللشافع أن يتقدم ويشفع ولو ما أَذِنوا له. وقد لا يرغبون أيضًا أنه يشفع، يشفع عندهم بدون رضاهم، ويضطرون إلى قَبول الشفاعة؛ لأنهم يحتاجون إلى الوزراء ويحتاجون إلى الأعوان، فيضطرون إلى قَبول الشفاعة ولو كانوا لا يريدونها.

فالمخلوق يُشْفَع عنده ولو لم يأذن.

أما الله عز وجل فلا يَشْفَع أحد عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى؛ لعظمته عز وجل.

ولهذا الخلقُ يوم القيامة إذا طال عليهم الموقف في المحشر - يذهبون إلى الأنبياء، يطلبون منهم الشفاعة في أن يريحهم الله من الموقف، ويحاسبهم ويريحهم من الموقف، فيعتذرون كلهم: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، عليهم الصلاة والسلام.

وتنتهي إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: «أَنَا لَهَا»، فيخرُّ ساجدًا بين يدي ربه، ويدعو الله، ويستمر يدعو ويتضرع إلى الله، حتى يقال له: «يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» ([1]).

الرسول صلى الله عليه وسلم ما تقدم بالشفاعة مباشرة، وإنما سجد بين يدي الله يستأذنه، ولم يشفع حتى أَذِن له، «وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ».

الله لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى. خلاف المخلوق، يُشفع عنده ولو لم يأذن، وحتى ولو لم يَرْضَ.

هذا فرق الشفاعة عند الخالق والشفاعة عند المخلوق؛ ولهذا قال: ﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ [البقرة: 255] أي: لا أحد ﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ معناها: لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه وتعالى


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (4476)، ومسلم رقم (193).