×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

فهذه آية عظيمة اشتملت على عشر جمل، فيها نفي وفيها إثبات: نَفْيٌ للنقائص عن الله عز وجل، وإثبات لصفات الكمال لله عز وجل؛ ولذلك صارت أعظم آية في كتاب الله عز وجل، وحُق لها ذلك لِما تشتمل عليه من هذه المعاني الجليلة.

ثم قال سبحانه: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256].

﴿لَآ إِكۡرَاهَ «لا»: نافية، والإكراه هو أن يُجبر الشخص على شيء يكرهه، وهذا هو الإكراه.

الله عز وجل يقول: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ [البقرة: 256] أي: لا أحد يُجْبَر على الدخول في الدين، لا أحد يُجْبَر على الدخول في الإسلام.

وإنما يَدخل الإنسان برغبته وطواعيته ومحبته، ولا أحد يُجْبِر الناس على أن يُسْلِموا أبدًا ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ [القصص: 56]، ﴿أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ [يونس: 99]، أبدًا.

الهداية بيد الله عز وجل، ولا أحد يُجبَر على الدين أبدًا. وإنما يَدخل الإنسان الدين رغبة منه ومحبة له. فإذا كان لا يريد، فيبقى على كفره، وأمامه النار والعياذ بالله.

ولهذا قال: ﴿قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ [البقرة: 256] ما فيه خفاء الآن، «الرشد» هو الحق، و«الغَي» هو الضلال، تبين الحق من الباطل، ما فيه لبس.

الله عز وجل بَيَّن الحق من الباطل بإرسال الرسل وإنزال الكتب، فلم يترك الخلق ملتبسًا عليهم الأمر، بل وضَّحه لهم عز وجل، فمَن شاء النجاة


الشرح