×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

كاره، قد لا تأخذه، ترفضه، وقد تأخذه وأنت كاره مجاملة.

﴿وَلَسۡتُم بِ‍َٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ [البقرة: 267].

ثم قال عز وجل: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ [البقرة: 267] تيقنوا ﴿أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267] إن الله لم يأمركم بالصدقات ويحثكم عليها؛ لأنه محتاج إليها، بل إنه غني عنكم وعن صدقاتكم، ولكنكم تُقدِّمون لأنفسكم، أما الله فإنه غني عنكم وعن صدقاتكم، لا كما يقوله اليهود - لعنهم الله - لما سمعوا قوله تعالى: ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ [البقرة: 245]، قالوا: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ [آل عمران: 181]، يطلب منا القرض، إذًا هو فقير ﴿قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ[آل عمران: 181]، فالله ردَّ عليهم فقال: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267] ما هو بفقير، له خزائن السموات والأرض، والذي بأيديكم هذا منه سبحانه وتعالى، ﴿أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم [البقرة: 254]، فهو من الله، ولكنه أراد منكم - رحمة بكم - أن تقدموا لأنفسهم ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ[المزمل: 20].

فلا تظن أن الله إذا حثك على الصدقة، أو قال: «أَقْرِض الله» أن الله محتاج، وأنه عاجز عن أن يعطي الفقراء، لكن هذا امتحان وابتلاء.

ولهذا قال الكفار لما سمعوا الأمر بالصدقة: ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ [يس: 47]، هذا مِثل مقالة اليهود؛ فهم يفهمون أن الله غني، لكن يتعنَّتون في هذا الكلام ويسخرون بهذا الكلام، وإلا فهم يعرفون أن الله غني وله ما في السموات وما في الأرض سبحانه وتعالى.

وهو عز وجل قادر على أن يعطي الفقراء ويغنيهم، لكنه ابتلاك أنت بالفقراء، هل يَرْخُص عليك مالك وتعطيهم، أو تقدم حب المال وتحرم


الشرح