وقد
اختلف المفسرون: هل هذه الآية ناسخة لقوله: ﴿وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم
بِهِ ٱللَّهُۖ﴾ [البقرة: 284] ؟
بعضهم
قال: إنها ناسخة. وعليه الأكثرُ؛ لأنَّ الله لمَّا امتحنهم
وظهر صدقُهُم واستسلامهم وانقيادهم لأمر الله حصل المقصود، فنسخ الله عنهم ما
يشقُّ عليهم.
والبعض
الآخر مِنَ المفسِّرين يقول: هذه الآية ليست ناسخة لما قبلها،
ولكنَّها مفسِّرة لما قبلها، وذلك أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾
ينقسم إلى قسمين:
قسم
يقصده العبد ويريده، وهو النِّيَّة السيئة والقصد السَّيِّئ: فهذا
يؤاخذ عليه الإنسان إلا أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ويخلص نيَّته لله عز وجل،
وألاَّ يكون له مقاصدُ سيئةٌ ونوايا قبيحةٌ، فإن الله يؤاخذ على أعمال القلوب كما
يؤاخذ على أعمال الجوارح.
والقسم
الثاني: ما يخطر في النفس مِنْ غير قصد للإنسان؛ مثلُ الوساوس
والهواجس والخواطر التي تمرُّ على الإنسان من غير قصد. فهذه إن تكلَّم بها أو عمل
بها يحاسب عليها، وإن تركها ورفضها فإنَّه لا يحاسب عليها، قال صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ الله تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَدَّثَتْ بِهِ
أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» ([1]).
فهذه الخواطر والوساوس العارضة والهواجس لا يؤاخِذ اللهُ عليها ما دامت في النفس. أما إذا تكلَّم الإنسان بها أو عمل بها فإنه يؤاخَذ عليها، فتكون هذه الآيةُ مُفَسِّرة وموضِّحة للمعنى في قوله تعالى: ﴿وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ﴾ [البقرة: 284]،
([1])أخرجه: البخاري رقم (5269)، ومسلم رقم (127).