فقوله
تعالى: ﴿أَنفِقُواْ﴾
[البقرة: 254] لم يقل: أنفقوا في كذا أو كذا. لم يُعيِّن الوجه الذي يُنفَق فيه؛
ليَعُم كل وجوه الخير، أَنفِقوا بإخراج الزكاة، أَنفِقوا على أنفسكم وأولادكم
وأقاربكم، أَنفِقوا بالصدقات والتبرعات والأوقاف والوصايا، في وجوه الخير، ووجوه
الخير كثيرة، وجوه الخير التي يُنفَق فيها كثيرة؛ ولذلك عمَّم سبحانه فقال: ﴿أَنفِقُواْ﴾. ولم يُعيِّن نوعًا من الإنفاق.
﴿أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم﴾
[البقرة: 254] «مِن» تبعيضية. يَطلب منا أن ننفق بعض ما عندنا. وليس بأن تنفق جميع
مالك فتبقى محتاجًا وفقيرًا. لا، بل أنفق من بعض ما عندك، وتُبقِي لنفسك وأولادك
ما يكفيكم. فالله لم يأمرنا بأن ننفق جميع أموالنا، وإنما أَمَرنا أن ننفق منها،
من بعضها، ﴿أَنفِقُواْ
مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم﴾ مِن الذي
رزقناكم.
ثم
إن قوله: ﴿أَنفِقُواْ
مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم﴾ هو يسألك
شيئًا هو رزقك إياه. هذا من العجائب! أن الله يعطيك ويطلب منك، ما هو بشيء من
عندك، وإنما هو رزق الله سبحانه وتعالى، فأنت تشكر الله على ما رزقك بأن تتصدق وأن
تنفق، هذا من شكر النعمة.
فهو يرزقك، وهو يطلب منك فضلاً منه سبحانه وتعالى، ولا يطلب منك لحاجته عز وجل؛ لأنه غني عن العالمين، وإنما يطلب منك لحاجتك أنت، أنت الذي بحاجة إلى أن تنفق، أنت تنفق لنفسك، فكيف تبخل على نفسك، والله عز وجل يقول: ﴿وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ﴾ [محمد: 38].