×
دورس التفسير في المسجد الحرام الجزء الثاني

 فالله لم يأمرك بالإنفاق لأنه محتاج إليك، وإنما أمرك بالإنفاق لأنك أنت المحتاج إلى الإنفاق، فإن ما تنفقه تجده عند الله عز وجل، يدخره لك.

﴿أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ [البقرة: 254] وهو يوم القيامة، ما دمت على قيد الحياة، ومتمكنًا من الإنفاق فأَنفِق، ولا تؤجل إلى أن يأتيك الموت ثم لا تستطيع، وتُحْرَم من النفقة.

سئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الصدقة أفضل؟ أو قال: أيُّ الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ» ([1]). لا تؤخِّر.

والله عز وجل يقول: ﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١٠ وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ [المنافقون: 10، 11].

وهنا يقول: ﴿أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ [البقرة: 254] وهو يوم القيامة، ﴿لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ[البقرة: 254] يوم القيامة تنقطع الأسباب.

﴿لَّا بَيۡعٞ فِيهِ ما تجد أحدًا يبيع عليك، وتقول: سأشتري، وأتصدق. ما فيه بيع، ما فيه دكاكين، ومحلات، وبضائع، ﴿لَّا بَيۡعٞ فِيهِ ما أحد يبيع عليك الشيء الذي أنت تريد أن تنفقه.

﴿وَلَا خُلَّةٞ [البقرة: 254] ما تجد مِن الأصحاب مَن يساعدك، الخليل هو الصاحب، ما تجد مِن الأخلاء مَن يساعدك، كُلٌّ مشغول بنفسه، أصحابك وأصدقاؤك، بل وقرابتك - يفرُّون منك يوم القيامة،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1419) ومسلم رقم (1032).