وقوله
سبحانه وتعالى: ﴿عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ﴾ [ق: 17] عن يمينك مَلَك وعن شِمالك مَلَك، فالذي عن
يمينك يَكتب الحسنات، والذي عن شِمالك يَكتب السيئات. والله لا يُسجِّل عليك
السيئات فقط، وإنما يُسجِّل ما لك وما عليك، فهذا من عدله عز وجل.
﴿عَنِ ٱلۡيَمِينِ
وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ﴾
﴿قَعِيدٞ﴾: مفرد، والمذكور مَلَكانِ: ﴿عَنِ ٱلۡيَمِينِ
وَعَنِ ٱلشِّمَالِ﴾ !!
قالوا:
لأن كلمة ﴿قَعِيدٞ﴾تصلح للمفرد وتصلح لأكثر من المفرد، أي: قعيدان. وقعيد
الإنسان: جليسه الذي يقعد معه.
وقيل:
﴿قَعِيدٞ﴾ يَصلح لواحد، والثاني مُقَدَّر من جنسه، عن اليمين
قعيد، وعن الشمال قعيد، فحُذِف الأول لدلالة الثاني عليه؛ اختصارًا وإيجازًا في
الكلام، وهذا من بلاغة القرآن الكريم ([1]).
قال
عز وجل: ﴿مَّا يَلۡفِظُ
مِن قَوۡلٍ﴾ ما يَلفظ هذا الإنسان من
قول، سواءٌ كان قولاً حقًّا أو قولاً باطلاً ﴿إِلَّا
لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ﴾
رقيب من الملائكة، وهم: القعيد عن يمينه وعن شِماله،﴿عَتِيدٞ﴾ أي: مُعْتَدٌّ ومُهَيَّأ. قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّآ
أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ﴾ [الكهف: 29] أي: هيأنا وأوجدنا.
فالله
أوجد وأعد هذا الرقيب، يراقب هذا الإنسان، هذه حالته في الدنيا، وفي حياته في الدنيا،
منذ كَلَّفه الله إلى أن يتوفاه الله، وهؤلاء الملائكة معه يسجلون أقواله وأعماله.
وقيل:
إنهم أيضًا يُسجِّلون خواطره ونياته التي في قلبه.
كل أعماله تُحسَب له أو عليه، إن خيرًا وإن شرًّا، وليس مهملاً.
([1]) انظر: تفسير الطبري (22 / 342).