لما
ذَكَر ذلك كله، قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿فَذَكِّرۡ
فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ﴾ [الطور: 29]، أي: امضِ في طريقك في الدعوة إلى الله،
ولا تلتفت لأقوالهم فيك واتهاماتهم لك؛ ليصدوا الناس عن دعوتك، فإن هذا كيد لا
يجديهم شيئًا، ولن يدفع الحق.
﴿فَذَكِّرۡ﴾ الناس جميعًا: المؤمنين والكفار، والعربي والأعجمي،
والجن والإنس. لأن رسالته صلى الله عليه وسلم عامة؛ ولهذا لم يَذكر المُذكَّر، لم
يقل: فذَكِّر العرب، فذَكِّر الإنس. بل عَمَّم فقال: ﴿فَذَكِّرۡ﴾ لأن تذكيره صلى الله عليه وسلم عام. وأيضًا: تذكيره
للجيل الحاضر في وقته، وللأجيال الآتية من بعده إلى أن تقوم الساعة.
ثم
نَفَى الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم اتهامات المغرضين، فقال: ﴿فَمَآ أَنتَ
بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ﴾
[الطور: 29] أي: بمنه عليك وإحسانه إليك، وإرساله لك؛ ما أنت بهذه النعم بكاهن ولا
مجنون.
و«(الكاهن»:
هو الذي يُخْبِر عن الغيب بواسطة رَئِيّ من الشيطان يسترق السمع، ثم يخبر به
الكهان ([1])،
يخبرهم بما سَمِع من حديث الملائكة قبل أن يدركه الشهاب، فيُلْقِي ما سمع إليهم، ﴿هَلۡ أُنَبِّئُكُمۡ
عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَٰطِينُ ٢٢١ تَنَزَّلُ
عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٖ ٢٢٢ يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ ٢٢٣﴾
[الشعراء: 221- 223]، هؤلاء هم الكهان.
والرسول صلى الله عليه وسلم ليس بكاهن فيما يخبر به، والرسول يتلقى عن جبريل ولا يتلقى عن الكهان.
([1]) انظر: النبوات (1/ 496)، لشيخ الإسلام ابن تيمية. ومعالم السُّنَن (4/ 228)، ولسان العرب (13/ 363).