فأرسل الله إليهم نبيه هودًا
عليه السلام، ليدعوهم إلى الله، وينهاهم عن الشرك، ويُحذرهم من العقوبة إن لم
يستجيبوا، ويُذكرهم بما جرى لقوم نوح عليه السلام من قبلهم.
إلاَّ
أن هذا لم يُجْدِ فيهم، وعَصَوْا نبيهم هودًا عليه السلام، وهددوه وتوعدوه بآلهتهم
أن تأخذه وأن تمسه بسوء، واغتروا بقوتهم، وقالوا: ﴿سَوَآءٌ
عَلَيۡنَآ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ ٱلۡوَٰعِظِينَ﴾ [الشعراء: 136]، يقولونه لهود عليه السلام: ﴿إِنۡ هَٰذَآ
إِلَّا خُلُقُ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣٧وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ ١٣٨﴾ [الشعراء: 137- 138].
وقالوا:
﴿مَنۡ أَشَدُّ
مِنَّا قُوَّةًۖ﴾؟! فاغتروا
بقوتهم ﴿أَوَ لَمۡ
يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۖ﴾ [فصلت: 15].
فلما
قامت عليهم الحُجة، ولم يَبْقَ لهم عذر؛ أرسل الله عليهم الريح العقيم.
قال
تعالى: ﴿كَذَّبَتۡ
عَادٞ فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾
[القمر: 18]: الذي أوقعته فيهم.
﴿إِنَّآ
أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا﴾
أي: قوية، باردة شديدة البرودة. وقيل: قوية جدًّا. فهي باردة وقوية أيضًا ([1]).
أرسل الله عليهم الريح، ألطف الأشياء، ولكنها ريح باردة وقوية، فصارت تنزع الناس،
وترفعهم إلى السماء، حتى يتوارى الواحد منهم من شدة الارتفاع، ثم تنكسه على رأسه،
فتدق عنقه بالأرض، فتتطاير رءوسهم، وتبقى أجسامهم الكبيرة ﴿كَأَنَّهُمۡ
أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ﴾
[القمر: 20].
﴿فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ﴾ يعني: في يوم شؤم عليهم، لا على غيرهم، ﴿فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ﴾، يعني: شؤم عليهم، ﴿مُّسۡتَمِرّٖ﴾، قيل: إنه مستمر،
([1]) انظر: تفسير الطبري (24/ 101)، والقرطبي (15/ 347)،، وابن كثير (3/ 343).