وفي
هذه الآيات الكريمات ذَكَر الله الآيات الدالة على قدرته الكاملة التي لا يعجزها
شيء، وهم يعترفون بها، وهو يخاطبهم بما يعترفون به ولا يَقدرون على إنكاره، من
توحيد الربوبية وأفعال الرب سبحانه وتعالى.
فما
داموا يعترفون بأنه ربهم، فهذه الآيات فيها تقرير قدرة الله عز وجل على البعث بعد
الموت.
قال
سبحانه وتعالى: ﴿نَحۡنُ خَلَقۡنَٰكُمۡ فَلَوۡلَا تُصَدِّقُونَ﴾ [الواقعة: 57]، فهم يعترفون بأن الله خلقهم، قال تعالى:
﴿وَلَئِن
سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ﴾
[الزخرف: 87] فهم اعترفوا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئًا، وأوجدهم من
العدم، فالذي أوجدهم من العدم قادر على أن يعيدهم من باب أَوْلى. فما داموا
يعترفون بأن الله خلقهم وأوجدهم من عدم، ألا يَقدر سبحانه وتعالى على إعادتهم؟!
فهذا
دليل عقلي لا يَقدرون على إنكاره؛ لأن الإعادة أهون من البداءة، وإن كان الله عز
وجل لا يعجزه شيء، لكن هذا من باب الخطاب العقلي لهم.
ولهذا
قال عز وجل هنا: ﴿نَحۡنُ خَلَقۡنَٰكُمۡ فَلَوۡلَا تُصَدِّقُونَ﴾ [الواقعة: 57]، أي: فهَلاَّ تُصدقون بالبعث، ما دمتم
أقررتم بأن الله خلقكم، فلماذا لا تُصدقون بإعادته لكم بعد الموت؟! وهذا إلزام لهم
بما اعترفوا به، ولا يمكنهم إنكاره، فلا أحد يقول: «خلقني غير الله»، أو «أنا
خلقتُ نفسي»، أو «الطبيعة أوجدتني».
ثم بَيَّن سبحانه كيف خلقهم، ومِن ماذا خلقهم، فقال عز وجل: ﴿أَفَرَءَيۡتُم مَّا تُمۡنُونَ﴾ أي: ما تُلْقُون من النُّطف في أرحام الإناث. لأن الإمناء معناه: الدفق ([1])، أي: ما تدفقون من النُّطف في أرحام النساء ويكون في قرار مكين.
([1]) انظر: لسان العرب (3/ 46).