فلما
قال لها هذه المقالة، وكان الحكم فيها ما ذُكر، اشتد ذلك عليها غاية الشدة؛ لأنها
ستفارق زوجها، وحالته كما ذُكِر من كِبَر السن والضعف، وهي تحنّ عليه، وقد عاشت
معه، ولها أطفال صغار، يضيعون بينهما!!
فجاءت
إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله، وأخبرته بما حصل، فقال: «مَا أَعْلَمُكِ
إلاَّ قَدْ حُرِّمْتِ عَلَيْهِ».
فاشتد
عليها الأمر أكثر، وجلست تشتكي إلى الله حالها، وتقول: ماذا أعمل في صبية صغار، إن
تركتُهم معه ضاعوا، وإن أخذتُهم معي جاعوا!! وتُكرِّر الشكوى إلى الله، وترفع
رأسها بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا
أَعْلَمُكِ إلاَّ قَدْ حُرِّمْتِ عَلَيْهِ»، تراجعه وتُكرِّر عليه، وهو صلى
الله عليه وسلم يكرر هذه المقالة.
فبينما
هما كذلك، إذ تَنَزَّل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات،
وحَلَّ الله سبحانه وتعالى مشكلتها، ويَسَّر الله لها، بأن جعل سبحانه وتعالى
الظهار يمينًا، تحله الكفارة بعد أن كان طلاقًا ([1]).
قوله
سبحانه وتعالى: ﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ﴾:
﴿قَدۡ﴾: حرف تحقيق، ﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا
وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ﴾ [المجادلة: 1] أي: سَمِع الله شكواها وقولها، وسَمِع
الله مراجعتها للنبي صلى الله عليه وسلم، وما يجيبها به.
عن عائشة رضي الله عنها - وكانت حاضرة - أنها قالت: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَْصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، تَشْكُو زَوْجَهَا، وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ﴾ [المجادلة: 1] الآيَةَ» ([2]).
([1]) انظر: تفسير الطبري (23/ 219)، وتفسير ابن كثير (8/ 76)، وتفسير القرطبي (17/ 270).