فدفعتهم
هذه المعرفة وهذا التوقع لبعثة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم - أن جاءوا إلى
المدينة واستوطنوها، ينتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم ([1]).
قال
تعالى: ﴿وَكَانُواْ مِن
قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا
عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 89].
وهم
ثلاث طوائف: بنو قَيْنُقاع، وبنو النَّضِير، وبنو قُرَيْظة،
ولهم مزارع وقصور وحصون في المدينة، فلما بَعَث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم،
وهاجر إلى المدينة، ورأوه؛ أنكروه صلى الله عليه وسلم وقالوا: «مَا هَذَا
بِالنَّبِي الَّذِي وُعِدْنَا بِهِ، وَمَا هَذِهِ صفاته».
والسبب
في ذلك: أنهم حسدوه صلى الله عليه وسلم، ﴿حَسَدٗا مِّنۡ
عِندِ أَنفُسِهِم﴾ [البقرة:
109]، واستكبارًا عن الحق؛ لأنهم يريدون أن تكون النبوة في بني إسرائيل ([2])،
وإلا فهم يَعرفون أنه هو النبي الذي سيُبعث.
فلما
كانت النبوة في محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من بني إسماعيل بن إبراهيم، وهم -
أعني: اليهود - من أولاد إسرائيل، وهو: يعقوب عليه السلام، وهم يريدون أن تكون
النبوة في بني إسرائيل، ولا تكون في بني إسماعيل، ولا تكون في العرب؛ حسدوه صلى
الله عليه وسلم، وحسدوا العرب على بعثة هذا الرسول منهم.
فحَمَلهم
هذا على الكفر به صلى الله عليه وسلم، وهم يَعلمون حقيقته، وأنه رسول الله.
﴿وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [البقرة: 89]، يقولون: «أَمَا وَاللهِ، لَوْ قَدْ جَاءَ النَّبِيُّ الذِي بَشَّرَ بِهِ مُوسَى وَعِيسَى، أَحْمَدُ، لَكَانَ
([1]) انظر: تفسير الطبري (13/ 165)، وزاد المسير (2/ 160)، وتفسير القرطبي (7/ 299).