الجنة بعد ذلك، وقد يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، وقد يخرجهم برحمته سبحانه وتعالى، فحتى ولو عذِّبوا مآلهم إلى الجنة ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ﴾ [النساء: 48]، فالتَّوحيد يَعصم من الخلود في النار، وإذا كان التَّوحيد كاملاً فإنه يَعصم من دخول النار أصلاً، وإذا كان ناقصًا فإنه يَعصم من الخلود فيها، ولا يعصم من الدخول فيها، وإنما يَعصم من الخلود فيها، كما قال - تعالى - لما ذكر مناظرة إبراهيم الخليل عليه السلام -مع عَبَدَة الأصنام قال: ﴿فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ﴾ يعني: المؤمنون أو المشركون، ﴿فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنعام: 81] قال الله - تعالى -: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]، هؤلاء هم أهل التَّوحيد، ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ﴾ يعني: بشرك، ولهذا لما نزلت هذه الآية شقَّتْ على الصحابة وقالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟، فقال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الَّذِي تَعْنُونَ، إِنَّهُ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: ﴿إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ﴾ [لقمان: 13] » ([1])، فالمراد بالظلم هنا: الشرك ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم﴾ أي: توحيدهم ﴿بِظُلۡمٍ﴾ أي: بشرك ﴿أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ َ﴾ فالذين سلِموا من الشرك لهم الأمن، إما الأمن المطلق، وإما مطلق الأمن، والأمن المطلق هو الذي ليس معه عذاب، وأما مطلق الأمن فهذا الذي قد يكون معه شيء من العذاب على حسب الذنوب، فالحاصل: أن أهل التَّوحيد لهم الأمن
([1]) أخرجه: البخاري رقم (6937).