أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ
بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ﴾ [يوسف: 108] والبصيرة معناها:
العلم بما يدعو إليه، ومعرفة معناه، حتى يوضحه للناس، والنبي صلى الله عليه وسلم -
كما سبق في آخر الباب الذي قبل هذا - لما بعث عليًّا رضي الله عنه وأعطاه الراية،
قال: «ادْعُهُمْ إِلَى الإِْسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ
مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ»، ما قال: «ادْعُهُمْ إِلَى الإِْسْلاَمِ»
واكتفى بهذا، بل قال: «أَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ»، إذا قبلوا
أن يدخلوا في الإسلام، فبيِّن لهم: معنى الإسلام، اشرحه لهم، حتى يدخلوا فيه على
بصيرة.
وقال صلى الله عليه
وسلم لمعاذ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ
أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ،
فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ لِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ
عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ»، إلى آخر الحديث، ولم يقف عند قوله: «ادْعُهُمْ
إِلَى: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»، بل أمره أن يبيِّن لهم بعدما
ينطقون بالشهادتين، أن يبيِّن لهم مقتضى هاتين الشهادتين، وأنه ليس المراد مجرد
النُّطق بها والتلفظ بها، بل لا بد من الالتزام والعمل.
من هنا عقد الشيخ رحمه الله هذا الباب، بعد «باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله»؛ ليتبين من ذلك أن من دعا إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، فلا بد أن يفسِّرها، ويفسِّر التَّوحيد، حتى تكون دعوته على بصيرة، أما إن كان لا يعرف هذا، فلا يدخل فيما ليس من شأنه، حتى يتعلم هو بنفسه أوَّلاً، أو إن كان يعرف هذا ولكن لا يريد أن يبينه للناس لغَرَض في نفسه، أو لإرضاء جماعته أو حزبه؛ فليبتعد عن هذا،