وقول الله - تعالى
-: ﴿وَأَنَّهُۥ
كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ
رَهَقٗا﴾ [الجن: 6].
****
مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضٖ وَبَلَغۡنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيٓ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ
مَثۡوَىٰكُمۡ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ إِنَّ رَبَّكَ
حَكِيمٌ عَلِيمٞ﴾ [الأنعام: 128]، ففي هذه الآيات ما
يبيِّن أن الله أمر بالاستعاذة به وحده، ومنع من الاستعاذة بغيره، فدلَّ على أن
الاستعاذة عبادة، لا يجوز أن تُصرف لغير الله سبحانه وتعالى.
قال الشيخ رحمه الله: «وقول الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا﴾» هذه من جُملة الانتقادات التي انتقدها الجن الذين استمعوا للقرآن وآمنوا به، انتقدوها على قومهم من الجن، كما في قوله - تعالى - في أول السورة: ﴿قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوٓاْ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا ١ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فََٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا ٢ وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةٗ وَلَا وَلَدٗا ٣﴾ [الجن: 1- 3]، وبعد ما نزَّهوا الله عن الشرك، وتبرؤوا منه، جعلوا ينتقدون أقوامهم وما يفعلونه مما يخالف التَّوحيد، ولهذا قالوا: ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطٗا ٤ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا ٥ وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا ٦ وَأَنَّهُمۡ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ أَحَدٗا ٧﴾ [الجن: 4 - 7] إلى آخر السورة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى فردُّوه ردًّا قبيحًا، وأَغْرَوا عبيدهم وسفهاءهم يرجمونه بالحجارة عليه الصلاة والسلام رجع إلى مكة، وقد خرج من مكة على حالة شديدة: مات عمه الذي كان يدافع عنه، وماتت زوجته خديجة التي كانت تُؤنِسه، وكانت له نِعْم المعين على دعوته، ثم لما خرج إلى الطائف أُصيب بهذا الرد القبيح،